التاريخ والتراث

قطر وبناء الجسر الثقافي بين الأدب العربي والأدب الأفريقي

قطر وبناء الجسر الثقافي بين الأدب العربي والأدب الأفريقي

لطالما كانت هناك محاولات للتقارب بين الأدب العربي والأفريقي في تاريخ علاقة الثقافتين العربية والإفريقية.

لكن أن تظهر هذه المحاولات على أيدي الدبلوماسيين أمر نادر جداً، لاسيما في زمن أصبحت المطامع الاقتصادية هي المحور الأساسي لكثير من الدول التي تقترب إلى القارة.

إن أدب كل شعب هو تراثه الذي يحوي في طياته جميع نواحي حياته من تاريخ وثقافة ونمط حياة، فهو انعكاس لكل ما يمثله كإنسان. وإن بناء جسر التقارب بين ثقافتين متباينتين بطريقة ودية أمر لم يوفق فيه بالقارة الأفريقية إلا قليل من الدول.

وقد كان للسفير القطري علي بن غانم الهاجري حظ وافر في هذا المجال.

منذ بداية مشواره دبلوماسيًّا وكاتباً، كرّس الهاجري حياته المهنية في سبيل بناء العلاقات الثقافية بين دولته والدول التي يمثلّ بلاده فيها. وانخرط في التأليف مهتماً في ذلك بثقافات الشعوب الأخرى وبناء جسر التقارب بينها وبين ثقافته العربية، ومؤمناً أن الأدب أداة مهمة في بناء التواصل بين الشعوب.

وفي سبيل تحقيق مراميه، كان من أهمّ ما قام به في نيجيريا التي تعتبر أكبر وأضخم اقتصاد في القارة السمراء، هو رعاية ترجمة كتابه “قطر في عيون الرحالة” إلى أهمّ اللغات الأفريقية متمثّلة في الهوسا واليوروبا والإيبو.

وقد تزامنت هذه المبادرة مع تأليفه لكتاب “أسطورة إفريقيا وعالمها: الشيخ عثمان بن فودي” الذي تناول حياة الشيخ عثمان بن فودي الذي أسس أهم مملكة إفريقية أضاءت آفاق الغرب الإفريقي علماً وثقافةً.

وهو أهم شخصية جادت بها الثقافة العربية الإفريقية خلال القرن الثامن عشر. فأصبح الهاجري بفضل هذا العمل أول عربي يؤلف في تاريخ هذه الشخصية وتاريخ المنطقة في القرن الحادي والعشرين.

أثار الكتاب، والذي صدر في مستهلّ عام 2022م، إعجاباً ونقاشاً في الأوساط الأكاديمية، لاسيما الجامعات المهتمة بالتاريخ الإسلامي والثقافي الأفريقي.

فقد مكّنته قدرته الفائقة على البحث واستقصاء الأحداث من مصادرها الأولية في إبراز أدقّ المعلومات في حياة الشيخ عثمان بن فودي، كما لمعت في الكتاب ملكته النوعية على سرد الأحداث في ابن فودي وربطها بالواقع الثقافي الإفريقي.

اعلان مميز

كان من نتاج القبول الذي حظي به الكتاب في الأوساط الأكاديمية أن منحته جامعة عثمان بن فودي الواقعة بولاية صكتو النيجيرية دكتوراه فخرية في الدراسات الإنسانية عقب إلقاءه محاضرة عامة حول حياة الشيخ عثمان بن فوي فودي وتأثيره في الحياة الفكرية والسياسية بغرب إفريقيا على ضوء الكتاب.

أُلقيت المحاضرة في أحد القاعات بالحرم الجامعي في ولاية صكتو.

ولم تكن محاضرة عادية كباقي المحاضرات العامة التي تقام بالجامعة، بل كانت مشهودة من قبل عدد من الشخصيات البارزة على مقدمتهم فضيلة الشيخ سعاد أبوبكر، سلطان المسلمين ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في نيجيريا وحاكم الولاية وغيرهما من ذوي المكانة العالية في الدولة.

انتهز شاعر يسمى محمد عثمان هذه الفرصة ليُتحف دولة قطر وسفيرها الهاجري بقصيدة طويلة تقديراً لجهودها في بناء جسر التواصل الثقافي بين الأدب العربي والإفريقي.

وتحتوي القصيدة، والتي بعنوان “غيث أقطار البشرية”، على الثناء على دولة قطر وأنشطتها الثقافية والإنسانية في نيجيريا وغرب إفريقيا بوجه عام.

والأبيات الآتية مقتطفة من القصيدة يصف فيها الشاعر زيارة الهاجري لولاية صكتو:

لِصُنْعِ النَّشْءِ كَيْ تَحظَى

بِجِـــــــيلِ النَّصـــــــــرِ دُنْيَانَــــــــــــــا
فَيَا لِلهَاجِرِي ضيــــــــــــــــفاً

اعلان مميز

بِصُـــــــــــــكّتُو يوم فَاجَانَــــــــــــا
سَفير الدّولَةِ الـمُـــــــــــــــــــثْلَى

أَتَى بِالذَّاتِ يَلْقَــــــــــانَـــــــــــــــا
يُذَكِّــــــــــــــــرُنَا هُوِيَّتَـــــــــــــــــــــــــــــنَا

وَقُطْبَ القُـــــــــــطْرِ عُثْـــــمَانَا
مُؤَسِّـــــــــــــــــــــــــــسُ مَجْد أُمَّتِنَا

وَمَنْ عَلِيَــــــــــتْ بِهِ شَــــــــــــانَا
وَدَوْلَتُهُ الـــــــــــــــــــــــتي تَخِذَتْ

هُدَى الإســــــلام عُنْـــــــــوَانَا
تَبَنَّتْ وَاحَـــــــــــــــــــــةَ القُطْرِ

تُــــغَنِّي النَّـــــــــــاسَ قــــــــُرآنــــــــــــا
فَرَاحَ الكَونُ في طَـــــــــرَبٍ

وَعاشَ الـــــــدَّهْرُ فَرْحَــــــــــــانَا
في فَوَي لِمُغَامِرٍ قَطَرِي

بِــــغَابِرِنَـــــــــا تَحَــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدَّانَا
بَريدٌ جَاءَ مِن حَوضِ الـــخَـــــــــــلِيجِ يُرِيدُ لُقْيــَـــــــــانَــــــا
أَتَى كَيـــــــــــــــــــــــــــــمَا يُذَكِّرُنَا

بِمَـــــــا الـمُحْتَلُّ أَنْسَـــــــــــــــــــانَا
بَكَــــى أُسْطُورَةُ القُــــــــطرِ

وَدَولَتُـــــــــــــــــه فَأَبْـكَــــــــــــــانَـــــــــــا

امتدت مبادرات علي الهاجري من أجل بناء التقارب بين الثقافة العربية والأفريقية باسم دولته قطر لتصل الصين في أعماق آسيا. فقد كتب في عام 2018م رواية بعنوان “أسطول الشمس” مستوحاة من تاريخ المستكشف الصيني “تشنغ خه” ومغامراته البحرية في الخليج العربي، فصارت أولى رواية صينية عربية أُلف على أثرها فيلم وثائقي في تاريخ الثقافتين العربية والصينية.

وتعتبر هذه الرواية مهمة في تاريخ علاقات الصين مع الدول العربية وبالأخص دولة قطر. ولئن كانت رواية “أسطول الشمس” في تاريخ العلاقات العربية الصينية، فإن الهاجري لم يألُ جهدًا في سبيل إتحاف المكتبات الأفريقية بهذه الرواية؛

ذلك ما دفعه إلى رعاية ترجمتها إلى اللغتين الهوسا واليوروبا الأفريقيتين، واللتين يتكلم بهما ما يربو على 300 نسمة كلغة أولى أو ثانية في غرب إفريقيا، وبالأخص في جمهورية نيجيريا الاتحادية.

مبادرات أخرى في إسبانيا والصين

كانت مبادرات الهاجري الثقافية في إسبانيا أنتجت إنشاء “البيت الأندلسي للدراسات الأدبية والتاريخية”، والذي أصبح بيتًا يقوم بترجمة الكتب الأدبية والتاريخية وطباعتها.

وقد قام البيت بإجراء أكثر من 150 بحثا علميا حول العلماء الأندلسيين أمثال لسان الدين بن خطيب، والحاجب المنصور وغيرهما. إلا أنه، وللأسف، تراجعت أنشطة البيت الأندلسي جراء نشوب جائحة كورونا.

هذا بالإضافة إلى مبادرات أخرى مثل مبادرة الأدب العربي الحديث والأدب الأندلسي.

وفي الصين، كانت مبادرات الهاجري الثقافية متنوعة وكثيرة، فإلى جانب مؤلفاته عن الصين وثقافتها وتاريخها، قام الهاجري بمبادرات من أهمها الأدب العربي وطريق الحرير.

اعلان مميز

وصلت هذه المبادرة إلى أكثر من 200 جامعة صينية على شكل ترجمة، وبحوث وتبادل زيارات، حتى صنف بأنه أبرز باحث عربي في العلوم الصينية في القرن العشرين.

وتقديرا لهذه الجهود، حصل على عدة جوائز تكريمية في الصين أبرزها الجائزة التكريمية لسعود البابطين، والأستاذية الفخرية من جامعة بكين الصينية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى